Subscribe to Wordpress Themes Demo
المؤسس الأول

لولا ذلك الاصطدام الذى ضج بصوت كقرع الطبل ما اضطرت الشركة الأجنبية للتنقيب عن البترول للاستعانة بفرق البحث عن الآثار ( تقابلت بريمة الحفر بسطح صلب ثم هوت إلى فراغ ) هكذا ردد مهندسو الشركة لفرق البحث التى واصلت بالأدوات اليدوية الحذرة خطتها لقرب السطح . ضج الجميع بالدهشة والفرح الغامض إذ واجهوا فى عصر فض بكارة الأسرار جسدا ينتفض بالوحشة ( رجلا عاريا ومكسوا بطبقة من شعر أشيب كثيف ، يتنقل بين أعشاب طازجة خضراء غير معهودة فى ذلك العمق ، كانت عيناه شديدتي الذبول وثابتتين كعيني طفل مولود للتو ، وفمه المقرح يقيء كلمات ملغزة وأظافره تهاجم كل من يقترب ) هكذا نقلت الكاميرا بعض الصور الأولى فى التليفزيون مع ابتسامة الظفر لأحد الباحثين الذى أكد أننا أمام إعجاز الحضارة التى لم تكشف كنهها بعد ، وقد أعلن المؤرخون المنبوذون انتصارهم المدوى بعدما ظلوا جيلا بعد جيل يحيون- كما يقول الآخرون - الخرافات التى وجدت بين خرابيش مقابر العمال بناة الأهرام .. كانت القصة التى استطاعوا لملمتها وتحقيقها بأكبر قدر من الدقة أنه فيما قبل التواريخ المسجلة استطاع الحاكم الجنوبي قوى الحيلة والشجاعة أن يزحف بجيشه الظامئ للعدل حتى وضع تاجا واحدا بعد عدة مناوشات وحروب ضارية كشمس الجنوب وقد كثرت الندوب فى وجهه وجنبيه وفيما بعد أقعدته شيخوخته عن عادته الحبيبة بالتخفى وسط الناس فلم يعد يرى إلا بعيني وزيره الأول الذى بنى له بيتا أنيقا تحت ردهات قصره وسحبه سحب البصير للأعمى فهنأ الملك برخاوة النعاس وأقفل الوزير الأول باب السرداب المؤدى إلى الأبد ..
هدهدت أياد خبيرة بجسد العجوز حتى خرج أخيرا مواطنا هش البنيان ، عميق اسمرار الوجه مضطربا ، وفشت أصوات خفية بوجوب بعث الرجل كحق أبدى ومشروع ملك من جديد ليؤذن بدولة عظيمة أن تطفو مرة أخرى على يديه ، وفى نوبة الفرح الجماعي سمح للمؤرخين المنبوذين بالظهور فى المناسبات الرسمية المتلاحقة وتبادل التهانى مع الوفود .. ولما خفت الدهشة وساد الترقب جهز المسئولون مركبا عتيقا للرجل ومؤرخيه وقد ألبس زيا فرعونيا زاهيا ليبدأ رحلة فى الربوع الخضراء والصفراء من النهر الهادئ حتى المصب الهادر ..