أخيرا يتسنى لى أن أهرب من أيامى المتشحة بالسواد .. أنخلع حثيثا عن نفسى السقيمة لائذا بالصورة القديمة .. صورة جدى ذى النظرات الثابتة المطمئنة ، واللحية البيضاء منسابة على صدره الواسع كندف القطن .. أخر مرة رأيته كان قابعا فى بروازه الزجاجى ذى الإطار المذهب اللامع .. ما تزال هيبته الوقورة تدفعنى للمجازفة .. الحجرة فى جانب المدخل ، على الباب ستارة كحلية من الدنتلا .. الباب عريض محلى بزخارف نباتية حيث يقف منتصبا كحارس على أثاث نادر .. مغلقة من زمن ليس ببعيد .. أفتح الباب بحذر .. أتسلل على أطراف أصابعى كى لا أوقظ إخوتى النائمين فى الحجرة المقابلة .. رائحة التراب الراكد تغزو حلقى فأسعل كاتما أنفاسى والطلاء ناصعا ما يزال .. الأثاث رقدت فوقه أمتار من قماش الدبلان للحماية بينما الصورة وحيدة ، عارية كحقيقة قاسية ، مشدودة بمسمار صلب إلى الجدار ، بزجاج مهشم وبرواز شحب لونه كمريض .. أتقدم محاذرا فى خطوى ( ما عادت الأشياء كما كانت .. أود أن أرتمى بأحضانك كزمان .. تدهشنى بالقطعة الفضية التى تغرسها فى راحتى الطرية ، والقبلة المبلولة التى تطبعها على خدى الناعم .. كأن الموت يزحف قاسيا على ذكراك ؛ فالجنينة التى غرستها شتلة شتلة وحفرت مجاريها بنفسك وكنت أجرى إلى صنبور الماء، أدس الخرطوم السميك ، أمرح تحت رذاذه بت أستأذن صاحبها فى قطف وردة أهديها لحبيبتى ، وها هو الدور الأرضى لم نعد نملك سواه ) .
أخرج منديلا من جيبى وأمسح التراب المتراكم فوقها .. تلمع ببريق غريب .. فاجأنى بنظراته الحادة وحاجبه المكسور على عينه اليسرى .. تتكسر نظراتى .. أنفه العريض ترقد فى ربوعه خدوشا عميقة لم أرها من قبل .. أحنى خدى المجهد على لحيته الكثيفة وشاربه الكث .. تساقط شعرها .. عبثا أعيد الشعر إلى مكانه ،والمفاجآت تعصف بى ؛ فبقع الدم التى تلطخ صديرى جلبابه الأبيض الشاهى حين أمسحها لا تزول ، وبأظافرى الطويلة أخدش الزجاج علها تزول فأكتشفها على الصديرى بالفعل .. تحاصرنى ألاف الأسئلة المرتابة .. من أين أنبثرت ؟ هل تسلل اللصوص يوما ولطخوا صورته المهيبة استهزاء ؟
ارتمى فى أحضانه المزججة .. أصوات متداخلة تجتاح المكان الراكد لنافذة انفتحت على مصراعيها ، وضباب كثيف يعثر الرؤيا .. أحس بوخزات دامية .. زجاج الصورة المهشم يتساقط.. يخربش جلدى فيتناثر الدم سيلا .. أواريه بقماش الدبلان الذى نزعته من كرسى بجانبى .. أطوى الصورة فى صدرى وأهرب .. أقطع الشوارع المتداخلة بلهفة الوصول إلى مكان ما ، وخيط طويل من الدماء يربطنى ببيتى .. لا أكترث للنظرات التى تلاحقنى ولا اللعنات التى تطعننى ، ولا المدينة التى تلفظنى .. وأخيرا بعدما أنهد حيلى أجدها .. أجدنى مغروسا فى شظفها كنبت تلقائى .. تنبجس أوردتى بشلال من الأحمر القانى ، يختلط برمالها النقية وأغرق فى نهر الألوان اللزج .. أرنو إلى عين الشمس الملتهبة ، تتسع وتبتلعنى ..فوضى الألوان تسرى فى عروقها حتى تستحيل قرصا خرافيا رأيته بأحلامى .. أسبل جفنى المتعبين وأقطع على عقلى سيل الأفكار المنهمر وأروح فى سبات عميق.
أخرج منديلا من جيبى وأمسح التراب المتراكم فوقها .. تلمع ببريق غريب .. فاجأنى بنظراته الحادة وحاجبه المكسور على عينه اليسرى .. تتكسر نظراتى .. أنفه العريض ترقد فى ربوعه خدوشا عميقة لم أرها من قبل .. أحنى خدى المجهد على لحيته الكثيفة وشاربه الكث .. تساقط شعرها .. عبثا أعيد الشعر إلى مكانه ،والمفاجآت تعصف بى ؛ فبقع الدم التى تلطخ صديرى جلبابه الأبيض الشاهى حين أمسحها لا تزول ، وبأظافرى الطويلة أخدش الزجاج علها تزول فأكتشفها على الصديرى بالفعل .. تحاصرنى ألاف الأسئلة المرتابة .. من أين أنبثرت ؟ هل تسلل اللصوص يوما ولطخوا صورته المهيبة استهزاء ؟
ارتمى فى أحضانه المزججة .. أصوات متداخلة تجتاح المكان الراكد لنافذة انفتحت على مصراعيها ، وضباب كثيف يعثر الرؤيا .. أحس بوخزات دامية .. زجاج الصورة المهشم يتساقط.. يخربش جلدى فيتناثر الدم سيلا .. أواريه بقماش الدبلان الذى نزعته من كرسى بجانبى .. أطوى الصورة فى صدرى وأهرب .. أقطع الشوارع المتداخلة بلهفة الوصول إلى مكان ما ، وخيط طويل من الدماء يربطنى ببيتى .. لا أكترث للنظرات التى تلاحقنى ولا اللعنات التى تطعننى ، ولا المدينة التى تلفظنى .. وأخيرا بعدما أنهد حيلى أجدها .. أجدنى مغروسا فى شظفها كنبت تلقائى .. تنبجس أوردتى بشلال من الأحمر القانى ، يختلط برمالها النقية وأغرق فى نهر الألوان اللزج .. أرنو إلى عين الشمس الملتهبة ، تتسع وتبتلعنى ..فوضى الألوان تسرى فى عروقها حتى تستحيل قرصا خرافيا رأيته بأحلامى .. أسبل جفنى المتعبين وأقطع على عقلى سيل الأفكار المنهمر وأروح فى سبات عميق.