Subscribe to Wordpress Themes Demo
السور

بنظرة ممدودة إلى الأمام تلافيت ذلك السور الشاهق الذى يحيط بمبنى ضخم لا يسكنه أحد ، مغلق النوافذ .
كان الصباح مشمسا استنشقه بمرح وأنا ألوك قطعة حلوى تذوب سريعا وأفكر بطريقة مناسبة أجذب بها أصدقائى نحو هدفى . هم - بالتأكيد - يحلمون بمثل ما أحلم به .. أعرفهم حين تلمع أحداقهم المغسولة دهشة ، ويبحثون عن سر ما فى كلماتى المتلاحقة الخافتة .. لن يكشفوا ما أريد داخل العتمة التى أدخلهم فيها فتثب شتائمهم وضحكهم المتقطع .. أحاول مرات أن أقنعهم بأننا سنمتلك سر تلك البناية الصفراء التى تقعى صامتة ككلب عجوز داخل السور ، شبابيكها الطويلة عيون مغلقة حين أبص بين خصصها وأستدير تشتد فى مراقبتى ، تمشى ورائى كخيال الليالى القمرية وتتسلل من شقوق الخشب بالباب حتى ألتف فى بطانيتى كدودة حريصا ألا يرى الضوء النحيل لوناسة صغيرة أعلى مسمار فى الجدار أظافر قدمى أو رأسى .. خطوطنا الصغيرة بالأحجار الجيرية فوق المناطق الأسمنتية المستوية من السور مثل تمائم سحرية لا تذوب ، إلا أنهم لم يميلوا إلى فاتخذت من تحديهم سببا فوافق اثنان لم أكن أطمع فى أكثر منهما وعدنا بعد الخروج من الكتاب من شارع جانبى كى لا يعرف ما ندبره ، هذا الصباح أيضا لم أحك راحة يدى فى طوبه البارز وأنا أمشى بجواره لأنه كمغناطيس هائل يقرأ ما نبوح به فوق أجزائه المطلية ويعرف مكرنا الصغير ثم يزداد علوا وفزعا فى حكاياتنا الليلية .. ليس أمامى إلا أن أوقفه عن الصعود إلى السماء فأمتطيه وأفرد ذراعي كجناحي عصفور رائع فى مكان عال شديد الوعورة بزهو بطل قصير القامة وبارع فى امتطائه حتى المنتصف خلال طوبه البارز كاسرا التحدى بينى وبين أحد الزملاء الأقوياء ذات يوم ..
ذلك السور يحمى قصرا لعائلة لا تأتى إلا قليلا لكننى لم أرهم ॥ عبره إلى القصر ذات ليلة ماطرة شديدة السواد لصٌ واستيقظت القرية على ملابسه الممزقة وأثار أقدامه ولم ير فيما بعد ..
.
سكنت القرية كأنما ماتت ميتة جماعية وكُفنت بملاءات وجدران وسواد ليل شتوى عميق ॥ كنا قد تأخرنا فى اللعب كما قررنا .. حواسنا الرهيفة تمددت كخيوط طحلبية لزجة فوق الحفر التى خلفتها الأمطار بجانبه .. واصلنا باندفاع مدروس بالأيدى والأقدام لأعلى ، هى لحظات نرى فقط ما يجعل الجميع يصمتون فجأة حين تمتد الحكايات عنه .. استقرت قدمى فوق طوبه الذى اختبرت قوته من قبل وصعدنا متعمدين تقليل السرعة ..
.
أخيرا شهقت فرحا بعد أن وقفت فوق قمته مترنحا فى البداية واندفعت إلى الداخل .. سمعت صوت ارتطامٍ أخر لكن قدمي كانت تؤلماننى ورأسى ينزف دما والمزيج الحارق لرائحة البرك الصغيرة والحشائش النابتة كريهٌ فلم ألتفت لأحدهم ، وفى التو انفتحت البوابة الخشبية العملاقة التى تنفتح فى القصر ناحية السور من الداخل وخرجت منها كلاب وقطط هائلة القوة سوداء وصفراء بعيون فسفورية تضوى وأنياب رغم الظلام تلمع فى مطاردة لا تهدأ وناديت بأعلى صوت لكن نباحهم ومواءهم كان أقوى فيما هم مندفعون باتجاهى .. فوق الأرض المبللة لم أستطع الجرى ، لكننى أحسست بأظافر حادة تنمو سريعا بأطرافى وعظام ظهرى تتقوس وشعر كثيف يغطى ملامحى ، وناديت مفزوعا فخرج صوتى هذه المرة عواءً متقاطعاً مع الجوقة المتعاركة.. حينئذ دخلت دائرة المطاردة الدامية كى أستطيع الهرب حتى كلت مخالبى ..